فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (203):

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان قد أمرهم بذكره عند قضاء الأركان وكان ربما فهم اقتصارهم عليه في الوقت الذي كانوا يذكرون فيه آباءهم قال معمّمًا وليكون الحث عليه آكد لتكرير الندب إليه بصيغة الأمر فيكون أضخم لشأنه: {واذكروا} بالرمي، أمر بالرمي وعبر عنه بالذكر ليشمل كل ذكر لسانيًا كان أو غيره {الله} أي لما يستحقه في ذاته من الكمال {في أيام} ولما كانت لا تحتاج إلى غير العد لكونها قليلة وبعد الأيام التي يحتاط في أمرها بالرأي وغيره حتى تكون معلومات قال جامعًا صفة ما لا يعقل بما اطرد فيها من الألف والتاء إذا كان موصوفها جمع قلة: {معدودات} وهي أيام إقامتكم بمنى في ضيافته سبحانه لفعل بقية ما عليكم من تتمات العبادات الحجية أولها يوم القر، وهو الحادي عشر ليستقر الناس فيه بمنى، ثانيها يوم النفر الأول، ثالثها يوم النفر الأعظم، والثلاثة تسمى أيام التشريق، وهى مع يوم العيد تسمى أيام النحر. والأربعة مع يوم عرفة أيام التكبير والذكر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}.
معطوف على {فاذكروا الله كذكركم آباءكم} [البقرة: 200] وما بينهما اعتراض، وإعادة فعل {اذكروا} ليبنى عليه تعليق المجرور أي قوله: {في أيام معدودات} لبعد متعلقه وهو {فاذكروا الله كذكركم آباءكم}، لأنه أريد تقييد الذكر بصفته ثم تقييدُه بزمانه ومكانه. فالذكر الثاني هو نفس الذكر الأول وعطفه عليه منظور فيه إلى المغايرة بما علق به من زمانه. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه لما ذكر ما يتعلق بالمشعر الحرام لم يذكر الرمي لوجهين أحدهما: أن ذلك كان أمرًا مشهورًا فيما بينهم وما كانوا منكرين لذلك، إلا أنه تعالى ذكر ما فيه من ذكر الله لأنهم كانوا لا يفعلونه والثاني: لعله إنما لم يذكر الرمي لأن في الأمر بذكر الله في هذه الآيام دليلًا عليه، إذ كان من سننه التكبير على كل حصاة منها ثم قال: {واذكروا الله في أَيَّامٍ معدودات}.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}:

.قال الفخر:

إن الله تعالى ذكر في مناسك الحج الأيام المعدودات، والأيام المعلومات فقال هنا: {واذكروا الله في أَيَّامٍ معدودات} وقال في سورة الحج: {لّيَشْهَدُواْ منافع لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ معلومات} [الحج: 28] فمذهب الشافعي رضي الله عنه أن المعلومات هي العشر الأول من ذي الحجة آخرها يوم النحر، وأما المعدودات فثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهي أيام التشريق، واحتج على أن المعدودات هي أيام التشريع بأنه تعالى ذكر الأيام المعدودات، والأيام لفظ جمع فيكون أقلها ثلاثة، ثم قال بعده: {فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} وهذا يقتضي أن يكون المراد {فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} من هذه الأيام المعدودات، وأجمعت الأمة على أن هذا الحكم إنما ثبت في أيام منى وهي أيام التشريق، فعلمنا أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق، والقفال أكد هذا بما روى في تفسيره عن عبد الرحمن بن نعمان الذيلمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديًا فنادى: «الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج، وأيام منى ثلاثة أيام فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه» وهذا يدل على أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق، قال الواحدي رحمة الله عليه: أيام التشريق هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر أولها: يوم النفر، وهو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة ينفر الناس فيه بمنى والثاني: يوم النفر الأول لأن بعض الناس ينفرون في هذا اليوم من منى والثالث: يوم النفر الثاني، وهذه الآيام الثلاثة مع يوم النحر كلها أيام النحر، وأيام رمي الجمار في هذه الأيام الأربعة مع يوم عرفة أيام التكبير إدبار الصلوات. اهـ.
قال الفخر:
قال الشافعي رضي الله عنه: المستحب في التكبيرات أن تكون ثلاثًا نسقًا أي متتابعًا، وهو قول مالك، وقال أبو حنيفة وأحمد: يكبر مرتين، حجة الشافعي ما روى عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، قال: رأيت الأئمة يكبرون في أيام التشريق بعد الصلاة ثلاثًا، ولأنه زيادة في التكبير، فكان أولى لقوله تعالى: {اذكروا الله ذِكْرًا كَثِيرًا} ثم قال الشافعي رضي الله عنه: ويقول بعد الثلاث: «لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد» ثم قال: وما زاد من ذكر الله فهو حسن، وقال في التلبية: وأحب أن لا يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفرق أن من سنة التلبية التكرار فتكرارها أولى من ضم الزيادة إليها، وهاهنا يكبر مرة واحدة فتكون الزيادة أولى من السكوت، وأما التكبير على الجمار فقد روي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكبر مع كل حصاة، فينبغي أن يفعل ذلك. اهـ.

.قال الخازن:

أجمع العلماء على أن المراد بهذا هو التكبير عند رمي الجمار، وهو أن يكبر مع كل حصاة يرمي بها في جميع أيام التشريق، وأجمعوا أيضًا على أن التكبير في عيد الأضحى وفي هذه الأيام في إدبار الصلوات سنة واختلفوا في هذا وقت التكبير فقيل يبتدئ به من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة من آخر أيام التشريق فيكون التكبير على هذا القول في خمسة عشر صلاة، وهو قول ابن عباس وابن عمر، وبه قال الشافعي: في أصح أقواله قال الشافعي: لأن الناس فيه تبع للحاج وذكر الحاج قيل: هذا الوقت هو التلبية ويأخذون في التكبير يوم النحر من صلاة الظهر. وقيل: إنه يبتدئ به من صلاة المغرب ليلة النحر ويختم بصلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وهو القول الثاني الشافعي فيكون التكبير على هذا القول: في ثمانية عشر صلاة والقول الثالث للشافعي إنه يتبدئ بالتكبير من صلاة الصبح يوم عرفة، ويختم به بعد صلاة العصر من آخر أيام التشريق، فيكون التكبير على هذا القول في ثلاث وعشرين صلاة وهو قول علي بن أبي طالب، ومكحول وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال ابن مسعود يبتدأ به من صبح يوم عرفة ويختم بصلاة العصر من يوم النحر، فعلى هذا القول يكون التكبير في ثمان صلوات، وبه قال أبو حنيفة وقال أحمد بن حنبل: إذا كان حلالًا كبر عقيب ثلاث وعشرين صلاة أولها الصبح من يوم عرفة وآخرها صلاة العصر من آخر أيام التشريق وإن كان محرمًا كبر عقيب سبعة عشر صلاة أولها الظهر من يوم النحر وآخرها عصر أيام التشريق. ولفظ التكبير عند الشافعي ثلاثًا نسقًا الله أكبر الله أكبر الله أكبر وهو قول سعيد بن جبير والحسن، وهو قول أهل المدينة، قال الشافعي: وما زاد من ذكر الله فحسن ويروى عن ابن مسعود أنه يكبر مرتين فيقول الله أكبر الله أكبر وهو قول أهل العراق. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.فائدة في الأيام المعدودات:

الأيام المعدودات أيام منى، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، يقيم الناس فيها بمنى وتسمى أيام التشريق، لأن الناس يقددون فيها اللحم، والتقديد تشريق، أو لأن الهدايا لا تنحر فيها حتى تشرق الشمس. وكانوا يعلمون أن إقامتهم بمنى بعد يوم النحر بعد طواف الإفاضة ثلاثة أيام فيعلمون أنها المراد هنا بالأيام المعدودات، ولذلك قال جمهور الفقهاء الأيام المعدودات أيام منى وهي بعد اليوم العاشر وهو قول ابن عمر ومجاهد وعطاء وقتادة والسدي والضحاك وجابر بن زيد ومالك، وهي غير المراد من الأيام المعلومات التي في قوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} في [سورة الحج: 28]. فالأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة، وهي اليوم العاشر ويومان بعده. والمعدودات أيام منى بعد يوم النحر، فاليوم العاشر من المعلومات لا من المعدودات، واليومان بعده من المعلومات والمعدودات، واليوم الرابع من المعدودات فقط، واحتجوا على ذلك بقوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 28] لأن اليوم الرابع لا نحر فيه ولا ذَبح إجماعًا، وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن لا فرق بين الأيام المعلومات والأيام المعدودات وهي يوم النحر ويومان بعده فليس اليوم الرابع عندهما معلومًا ولا معدودًا، وعن الشافعي الأيام المعلومات من أول ذي الحجة حتى يوم النحر وما بعد ذلك معدودات، وهو رواية عن أبي حنيفة.
ودلت الآية على طلب ذكر الله تعالى في أيام رمي الجمار وهو الذكر عند الرمي وعند نحر الهدايا.
وإنما أمروا بالذكر في هذه الأيام، لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخر ومغازلة النساء، قال العرجي:
ما نَلتقِي إلاّ ثلاثَ مِنًى ** حَتَّى يُفَرِّقَ بينَنا النَّفْر

وقال عمر بن أبي ربيعة:
بَدَا لِيَ منها معصم حينَ جَمَّرَتْ ** وكَفٌّ خَصيبٌ زُيَّنَتْ بِبَنَان

فوالله ما أَدري وإِنْ كُنْتُ دَاريًا ** بسَبْععٍ رَمَيْتُ الجَمْرَ أمْ بِثَمَان

لأنهم كانوا يرون أن الحج قد انتهى بانتهاء العاشر، بعد أن أمسكوا عن ملاذهم مدة طويلة فكانوا يعودون إليها، فأمرهم الله تعالى بذكر الله فيها، وذكرُ الله فيها هو ذكره عند رمي الجمار. اهـ.

.قال القرطبي:

قال الكوفيون: الألف والتاء في {مَعْدوداتٍ} لأقل العدد. وقال البصريون: هما للقليل والكثير؛ بدليل قوله تعالى: {وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ} [سبأ: 37] والغُرفات كثيرة. اهـ.

.فائدة لغوية:

قال الألوسي:
استشكل وصف أيام بمعدودات لأن أيامًا جمع يوم وهو مذكر، ومعدودات واحدها معدودة وهو مؤنث فكيف تقع صفة له، فالظاهر معدودة ووصف جمع ما لا يعقل بالمفرد المؤنث جائز، وأجيب بأن معدودات جمع معدود لا معدودة، وكثيرًا ما يجمع المذكر جمع المؤنث كحمامات وسجلات، وقيل: إنه قدر اليوم مؤنثًا باعتبار ساعاته، وقيل: إن المعنى أنها في كل سنة معدودة، وفي السنين معدودات فهي جمع معدودة حقيقة ولا يخفى ما فيه. اهـ.

.فائدة في صيغة التكبير:

.قال الجاوي:

وصيغة التكبير المحبوبة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ويستحب بعد ذلك الصلاة على النبي، لقوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} [(94) الشرح: الآية 4] أي لا أذكر إلا وتذكر معي، والمعتاد في ذلك أن يقول: اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليمًا كثيرًا. اهـ.